سورة القمر - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القمر)


        


{اقتربت} معناه: قربت إلا أنه أبلغ، كما أن اقتدر أبلغ من قدر. و: {الساعة} القيامة وأمرها مجهول التحديد لم يعلم، إلا أنها قربت دون تحديد، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بعثت أنا والساعة كهاتين»، وأشار بالسبابة والوسطى. وقال أنس: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كادت الشمس تغيب فقال: «ما بقي من الدنيا فيما مضى إلا كمثل ما بقي من هذا اليوم».
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إني لأرجو أن يؤخر الله أمتي نصف يوم» وهذا منه على جهة الرجاء والظن لم يجزم به خبراً، فأناب الله به على أمله وأخر أمته أكثر من رجائه، وكل ما يروى عن عمر الدنيا من التحديد فضعيف واهن.
وقوله: {انشق القمر} إخبار عما وقع في ذلك، وذكر الثعلبي أنه قيل إن المعنى ينشق القمر يوم القيامة، وهذا ضعيف الأمة على خلافه، وذلك أن قريشاً سألت رسول الله آية فقيل مجملة، وهذا قول الجمهور، وقيل بل عاينوا شق القمر، ذكره الثعلبي عن ابن عباس فأراهم الله انشقاق القمر، فرآه رسول الله وجماعة من المسلمين والكفار، فقال رسول الله «اشهدوا» وممن قال من الصحابة رأيته: عبد الله بن مسعود وجبير بن مطعم وأخبر به عبد الله بن عمر وأنس وابن عباس وحذيفة بن اليمان، وقال المشركون عند ذلك: سحرنا محمد. وقال بعضهم: سحر القمر وقالت قريش استخبروا المسافرين القادمين عليكم، فما ورد أحد إلا أخبر بانشقاقه وقال ابن مسعود: رأيته انشق فذهبت فرقة وراء جبل حراء، وقال ابن زيد: كان يرى نصفه على قعيقعان والآخر على أبي قبيس. وقرأ حذيفة: {اقتربت الساعة وقد انشق القمر}، وذكر الثعلبي عنه أن قراءته: {اقتربت الساعة انشق القمر} دون واو.
وقوله: {وإن يروا} جاء اللفظ مستقبلاً لينتظم ما مضى وما يأتي، فهو إخبار بأن حالهم هكذا، واختلفت الناس في معنى: {مستمر} فقال الزجاج قيل معناه: دائم متماد. وقال قتادة ومجاهد والكسائي والفراء معناه: مار ذاهب عن قريب يزول. وقال أبو العالية والضحاك معناه: مشدود من مرائير الحبل كأنه سحر قد أمر، أي أحكم. ومنه قول الشاعر [لقيط بن زرارة]: [البسيط]
حتى استمرت على شزر مريرته *** صدق العزيمة لا رتّاً ولا ضرعا
ثم أخبر تعالى بأنهم كذبوا واتبعوا شهواتهم وما يهوون من الأمور لا بدليل ولا بتثبت، ثم قال على جهة الخبر الجزم، {وكل أمر مستقر} يقول: وكل شيء إلى غاية فالحق يستقر ظاهراً ثابتاً، والباطل يستقر زاهقاً ذاهباً.
وقرأ أبو جعفر بن القعقاع {وكل مستقرٍ} بجر {مستقر}، يعني بذلك أشراطها.
والجمهور على كسر القاف من {مستقِر} وقرأ نافع وابن نصاح بفتحها، قال أبو حاتم: لا وجه لفتح القاف.
و: {الأنباء} جمع نبأ، ويدخل في هذا جميع ما جاء به القرآن من المواعظ والقصص ومثلات الأمم الكافرة، و: {مزدجر} معناه: موضع زجر وانتهاء، وأصله: مزتجر، قلبت التاء دالاً ليناسب مخرجها مخرج الزاي، وكذلك تبدل تاء افتعل من كل فعل أوله زاي كازدلف وازداد ونحوه.
وقوله: {حكمة} مرتفع إما على البدل من {ما} في قوله: {ما فيه}، وإما على خبر ابتداء تقديره: هذه حكمة و: {بالغة} معناه: يبلغ المقصد بها من وعظ النفوس والبيان لمن له عقل. وقوله: {فما تغني النذر}، يحتمل أن تكون {ما} نافية، أي ليس تغني مع عتو هؤلاء الناس، ويحتمل أن تكون {ما} استفهاماً بمعنى التقرير، أي فما غناء النذر مع هؤلاء الكفرة، ثم سلى نبيه بقوله: {فتول عنهم} أي لا تذهب نفسك عليهم حسرات، وتم القول في قوله: {عنهم} ثم ابتدأ وعيدهم، والعامل في {يوم} قوله: {يخرجون}، و: {خشعاً} حال من الضمير في {يخرجون} وتصرف الفعل يقتضي تقدم الحال، قال المهدوي: ويجوز أن يكون حالاً من الضمير في {عنهم}. قال الرماني المعنى: {فتول عنهم} واذكر {يوم}. وقال الحسن المعنى: {فتول عنهم} إلى {يوم}، وانحذفت الواو من {يدع} لأن كتبة المصحف اتبعوا اللفظ لا ما يقتضيه الهجاء، وأما حذف الياء من: {الداع} ونحوه، فقال سيبويه: حذفوه تخفيفاً. وقال أبو علي: حذفت مع الألف واللام إذ هي تحذف مع معاقبهما وهو التنوين.
وقرأ جمهور الناس: {نكُر} بضم الكاف. وقرأ ابن كثير وشبل والحسن: {نكِر} بكسر الكاف، وقرأ مجاهد والجحدري وأبو قلابة: {نُكِرَ} بكسر الكاف وفتح الراء على أنه فعل مبني للمفعول، والمعنى في ذلك كله أنه منكور غير معروف ولا مرئي مثله. قال الخليل: النكر: نعت للأمر الشديد والرجل الداهية. وقال مالك بن عوف النصري: [الرجز]
أقدم محاج إنه يوم نكر *** مثلي على مثلك يحمى ويكر
ونكر فعل وهو صفة، وذلك قليل في الصفات، ومنه مشية سجح وقال الشاعر [حسان بن ثابت الأنصاري]: [البسيط]
دعوا التخاجؤ وامشوا مشية سجحاً *** إن الرجال ذوو عصب وتذكير
ومنه رجل شلل وناقة أجد.
وقرأ جمهور القراء: {خشعاً} وهي قراءة الأعرج وأبي جعفر وشيبة والحسن وقتادة. وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي: {خاشعاً}، وهي قراءة ابن عباس وابن جبير ومجاهد والجحدري، وهو إفراد بمعنى الجمع، ونظيره قول الشاعر [الحارث بن أوس الإيادي]: [الرمل]
وشباب حسن أوجههم *** من إياد بن نزار بن معد
ورجح أبو حاتم هذه القراءة وذكر أن رجلاً من المتطوعة قال قبل أن يستشهد: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فسألته عن خشعاً وخاشعاً فقال: «خاشعاً» بالألف، وفي مصحف أبيّ بن كعب وعبد الله: {خاشعة}.
وخص الأبصار بالخشوع لأنه فيها أظهر منه في سائر الجوارح، وكذلك سائر ما في نفس الإنسان من حياء أو صلف أو خوف ونحوه إنما يظهر في البصر. و: {الأجداث} جمع جدث وهو القبر، وشبههم بالجراد المنتشر، وقد شبههم في أخرى ب {الفراش المبثوث} [القارعة: 4]، وفيهم من كل هذا شبه، وذهب بعض المفسرين إلى أنهم أولاً كالفراش حين يموجون بعض في بعض ثم في رتبة أخرى كالجراد إذا توجهوا نحو المحشر والداعي، وفي الحديث: إن مريم بنت عمران دعت للجراد فقالت: اللهم اعشها بغير رضاع وتابع بينها بغير شباع.
والمهطع: المسرع في مشيه نحو الشيء مع هز ورهق ومد بصر نحو المقصد، إما لخوف أو طمع أو نحوه، و{يقول الكافرون هذا يوم عسر} لما يرون من مخايل هوله وعلامات مشقته.


سوق هذه القصة وعيد لقريش وضرب مثل لهم، وقوله: {وازدجر} إخبار من الله أنهم زجروا نوحاً بالسب والنجه والتخويف، قاله ابن زيد وقرأ: {لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين} [الشعراء: 116]، وذهب مجاهد إلى أن {وازدجر} من كلام {قوم نوح}، كأنهم قالوا {مجنون وازدجر}، والمعنى: استطير جنوناً واستعر جنوناً، وهذا قول فيه تعسف وتحكم.
وقرأ نافع وأبو عمرو وعاصم والأعرج والحسن {أني} بفتح الألف، أي بأنه كان دعاءه كان هذا المعنى. وقرأ عاصم أيضاً وابن أبي إسحاق وعيسى {إني} بكسر الألف كأن دعاءه كان هذا اللفظ قال سيبويه: المعنى قال إني.
وذهب جمهور المفسرين إلى أن المعنى أني قد غلبني الكفار بتكذيبهم وتخويفهم، انتصر لي منهم بأن تهلكهم، ويحتمل أن يريد: فانتصر لنفسك إذ كذبوا رسولك. ويؤيده قول ابن عباس إن المراد بقوله: لمن كان كفر الله تعالى، فوقعت الإجابة على نحو ما دعا نوح عليه السلام، وذهبت المتصوفة إلى أن المعنى: إني قد غلبتني نفسي في إفراطي في الدعاء على قومي فانتصر مني يا رب بمعاقبة إن شئت. والقول الأول هو الحق إن شاء الله يدل على ذلك اتصال قوله: {ففتحنا} الآية، وذلك هو الانتصار في الكفار.
وقرأ جمهور القراء: {ففتَحنا} بتخفيف التاء. وقرأ ابن عامر وأبو جعفر والأعرج: {ففتّحنا} بشدها على المبالغة ورجحها أبو حاتم لقوله تعالى: {مفتحة لهم الأبواب} [ص: 50]، قال النقاش: يعني بالأبواب المجرة وهي شرج السماء كشرج العبية، وقال قوم من أهل التأويل: الأبواب حقيقة فتحت في السماء أبواب جرى منها الماء. وقال جمهور المفسرين: بل هو مجاز وتشبيه، لأن المطر كثر كأنه من أبواب. والمنهمر الشديد الوقوع الغزير. قال امرؤ القيس: [الرمل]
راح تمْريه الصبا ثم انتحى *** فيه شؤبوب جنوب منهمر
وقرأ الجمهور: {وفجّرنا} بشد الجيم. وقرأ ابن مسعود وأصحابه وابو حيوة عن عاصم {وفجَرنا} بتخفيفها. وقرأ الجمهور {فالتقى الماء} على اسم الجنس الذي يعم ماء السماء وماء العيون. وقرأ الحسن وعلي بن أبي طالب وعاصم الجحدري. {فالتقى الماءان} ويروى عن الحسن: {فالتقى الماوان}.
وقوله: {على أمر قد قدر} قال فيه الجمهور على رتبة وحالة قد قدرت في الأزل وقضيت. وقال جمهور من المتأولين المعنى: على مقادير قد قدرت ورتبت وقت التقائه، ورووا أن ماء الأرض علا سبعة عشر ذراعاً وكان ماء السماء ينزل عليه بقية أربعين ذراعاً أو نحو هذا لأنه مما اختلفت فيه الروايات ولا خبر يقطع العذر في شيء من هذا التحرير.
وقرأ أبو حيوة: {قدّر} بشد الدال. وذات الألواح والدسر: هي السفينة قيل كانت ألواحها وخشبها من ساج، والدسر: المسامير، واحدها: دسار، وهذا هو قول الجمهور، وهو عندي من الدفع المتتابع، لأن المسمار يدفع أبداً حتى يستوي. وقال الحسن وابن عباس أيضاً: الدسر: مقادم السفينة، لأنها تدسر الماء أي تدفعه والدسر: الدفع. وقال مجاهد وغيره: نطق السفينة. وقال أيضاً: هو أرض السفينة. وقال أيضاً: أضلاع السفينة، وقد تقدم القول في شرح قصة السفينة مستوعباً، وجمهور الناس على أنها كانت على هيئة السفن اليوم كجؤجؤ الطائر، وورد في بعض الكتب أنها كانت مربعة، طويلة في السماء، واسعة السفل، ضيقة العلو، وكان أعلاها مفتوحاً للهواء والتنفس، قال: لأن الغرض منها إنما كانت السلامة حتى ينزل الماء، ولم يكن طلب الجري وقصد المواضع المعينة، ومع هذه الهيئة فلها مجرى ومرسى، والله أعلم كيف كانت، والكل محتمل.
وقوله: {بأعيننا} قال الجمهور معناه: بحفظنا وحفايتنا وتحت نظرنا لأهلها، فسمى هذه الأشياء أعيناً تشبيهاً، إذ الحافظ المتحفي من البشر إنما يكون ذلك الأمر نصب عينه، وقيل المراد من حفظها من الملائكة سماهم عيوناً، وقال الرماني وقيل إن قوله: {بأعيننا} يريد العيون المفجرة من الأرض.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف.
وقرأ أبو السمال: {بأعينا} مدغمة. وقرأ جمهور الناس: {كُفِر} بضم الكاف وكسر الفاء، واختلفوا في المعنى فقال ابن عباس ومجاهد: {من}، يراد بها الله تعالى كأنه قال: غضباً وانتصاراً لله، أي انتصر لنفسه فأنجى المؤمنين وأغرق الكافرين. وقال مكي وقيل {من}، يراد بها نوح والمؤمنين، لأنهم كفروا من حيث كفر بهم فجازاهم الله بالنجاة. وقرأ يزيد بن رومان وعيسى وقتادة: {كَفَر} بفتح الكاف والفاء، والضمير في: {تركناها} قال مكي بن أبي طالب هو عائد على هذه الفعلة والقصة. وقال قتادة والنقاش وغيره: هو عائد على هذه السفينة، قالوا وإن الله تعالى أرسلها على الجودي حين تطاولت الجبال وتواضع وهو جبيل بالجزيرة بموضع يقال له باقردى، وأبقى خشبها هنالك حتى رأت بعضه أوائل هذه الأمة. وقال قتادة: وكم من سفينة كانت بعدها صارت رصودا و: {مدكر} أصله: مذتكر، أبدلوا من التاء ذالاً ليناسب الدال في النطق، ثم أدغموا الدال في الدال، وهي قراءة الناس، قال أبو حاتم: رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح وقرأ قتادة: {مذكر} بالذال على إدغام الثاني في الأول، قال أبو حاتم: وذلك رديء ويلزمه أن يقرأ واذكر بعد أمة وتذخرون في بيوتكم.
وقوله تعالى: {فكيف كان عذابي ونذر} توقيف لقريش وتوبيخ، والنذر: جمع نذير، المصدر بمعنى كان عاقبة إنذاري لمن لم يجعل به كأنتم أيها القوم.
و: {يسرنا القرآن} معناه: سهلناه وقربناه والذكر: الحفظ عن ظهر قلب، قال ابن جبير: لم يستظهر من كتب الله سوى القرآن.
قال القاضي أبو محمد: يسر بما فيه من حسن النظم وشرف المعاني فله لوطة بالقلوب، وامتزاج بالعقول السليمة.
وقوله: {فهل من مدكر} استدعاء وحض على ذكره وحفظه لتكون زواجره وعلومه وهداياته حاضرة في النفس. قال مطرف في قوله تعالى: {فهل من مدكر} هل من طالب علم فيعان عليه.
قال القاضي أبو محمد: الآية تعديد نعمة في أن الله يسر الهدى ولا بخل من قبله، فلله در من قبل وهدى. وقد تقدم تعليل: {مدكر}.


{عاد} قبيلة وقد تقدم قصصها. وقوله تعالى: {فكيف كان عذابي ونذر}، كيف نصب إما على خبر {كان} وإما على الحال. و: {كان} بمعنى وجد ووقع في هذا الوجه. {ونذر} جمع نذير وهو المصدر. وقرأ ورش وحده: {ونذري} بالياء، وقرأ الباقون {ونذر} بغير ياء على خط المصحف. و: الصرصر قال ابن عباس وقتادة معناه الباردة وهو الصر. وقال جماعة من المفسرين معناه: المصوتة نحو هذين الحرفين مأخوذ من صوت الريح إذا هبت دفعاً، كأنها تنطق بهذين الحرفين، الصاد والراء، وضوعف الفعل كما قالوا: كبكب وكفكف من كب وكب، وهذا كثير، ولم يختلف القراء في سكون الحاء من {نحْس} وإضافة اليوم إليه إلا ما روي عن الحسن أنه قرأ: {في يومٍ} بالتنوين و: نحِس بكسر الحاء. و{مستمر} معناه: متتابع، قال قتادة: استمر بهم ذلك النحس حتى بلغهم جهنم. قال الضحاك في كتاب الثعلبي المعنى كان مراً عليهم، وذكره النقاش عن الحسن، وروي أن ذلك اليوم الذي كان لهم فيه {نحس مستمر} كان يوم أربعاء، وورد في بعض الأحاديث في تفسير هذه الآية: {يوم نحس مستمر}: يوم الأربعاء، فتأول في ذلك بعض الناس أنه يصحب في الزمن كله، وهذا عندي ضعيف وإن كان الدولابي أبو بشر قد ذكر حديثاً رواه أبو جعفر المنصور عن أبيه محمد عن أبيه علي عن أبيه عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آخر أربعاء من الشهر يوم نحس مستمر»، ويوجد نحو هذا في كلام الفرس والأعاجم، وقد وجد ذكر الأربعاء التي لا تدور في شعر لبعض الخراسانيين المولدين، وذكر الثعلبي عن زر بن حبيش في تفسير هذا اليوم لعاد أنه كل يوم أربعاء لا تدور، وذكره النقاش عن جعفر بن محمد وقال: كان القمر منحوساً بزحل وهذه نزعة سوء عياذاً بالله أن تصح عن جعفر بن محمد.
وقوله: {تنزع الناس} معناه: تنقلهم من مواضعهم نزعاً فتطرحهم. وروي عن مجاهد: أنها كانت تلقي الرجل على رأسه فيتفتت رأسه وعنقه وما يلي ذلك من بدنه فلذلك حسن التشبيه ب أعجاز النخل وذلك أن المنقعر هو الذي ينقلب من قعره. فذلك التشعث والشعب التي لأعجاز النخل، كان يشبهها ما تقطع وتشعث من شخص الإنسان، وقال قوم: إنما شبههم ب أعجاز النخل لأنهم كانوا يحفرون حفراً ليمتنعوا فيها من الريح، فكأنه شبه تلك الحفر بعد النزع بحفر أعجاز النخل، والنخل يذكّر ويؤنث فلذلك قال هنا: {منقعر} وفي غير هذه السورة:
{خاوية} [الحاقة: 7] والكاف في قوله: {كأنهم أعجاز} في موضع الحال، قاله الزجاج، وما روي من خبر الخلجان وغيره وقوتهم ضعيف كله، وفائدة تكرار قوله: {فكيف كان عذابي ونذر} التخويف وهز الأنفس قال الرماني: لما كان الإنذار أنواعاً، كرر التذكير والتنبيه، وفائدة تكرار قوله: {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر} التأكيد والتحريض وتنبيه الأنفس. وهذا موجود في تكرار الكلام، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا هل بلغت، ألا هل بلغت». ومثل قوله: «ألا وقول الزور، ألا وقول الزور، ألا وقول الزور». وكان صلى الله عليه وسلم إذا سلم على قوم سلم عليهم ثلاثاً، فهذا كله نحو واحد وإن تنوع، و: {ثمود} قبيلة صالح عليه السلام وهم أهل الحجر.
وقرأ الجمهور: {أبشراً منا واحداً} ونصب قوله بشراً بإضمار فهل يدل عليه قوله: {نتبعه}، و: {واحداً} نعت ل بشر. وقرأ أبو السمال: {أبشرٌ منا واحداً نتبعه} ورفعه إما على إضمار فعل مبني للمفعول، التقدير: أينبأ بشر، وإما على الابتداء والخبر في قوله {نتبعه} و: واحداً على هذه القراءة إما من الضمير في: {نتبعه} وإما عن المقدر مع: {منا} كأنه يقول: أبشر كائن منا واحداً، وفي هذا نظر. وحكى أبو عمر والداني قراءة أبي السمال: {أبشر منا واحد} بالرفع فيهما.
وهذه المقالة من ثمود حسد منهم واستبعاد منهم أن يكون نوع المبشر يفضل بعضه بعضاً هذا الفضل فقالوا: أنكون جمعاً ونتبع واحداً، ولم يعلموا أن الفضل بيد الله، يؤتيه من يشاء، ويفيض نور الهدى من رضيه.
وقوله: {في ضلال} معناه: في أمر متلف مهلك بالإتلاف، {وسعر} معناه: في احتراق أنفس واستعارها حنقاً وهماً باتباعه، وقيل في السعر: العناء، وقاله قتادة. وقيل الجنون، ومنه قولهم ناقة بمعنى مسعورة، إذا كانت تفرط في سيرها، ثم زادوا في التوقي بقولهم: {أألقي الذكر عليه من بيننا}، و{ألقي} بمعنى أنزل، وكأنه يتضمن عجلة في الفعل، والعرب تستعمل هذا الفعل، ومنه قوله تعالى: {وألقيت عليك محبة مني} [طه: 39] ومنه قوله: {إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً} [المزمل: 5]، و{الذكر} هنا: الرسالة وما يمكن أن جاءهم به من الحكمة والموعظة، ثم قالوا: {بل هو كذاب أشر} أي ليس الأمر كما يزعم، والأشر: البطر والمرح، فكأنهم رموه بأنه {أشر}، فأراد العلو عليهم وأن يقتادهم ويتملك طاعتهم فقال الله تعالى لصالح: {سيعلمون غداً} وهذه بالياء من تحت قراءة علي بن أبي طالب وجمهور الناس. وقرأ ابن عامر وحمزة وحفص عن عاصم وابن وثاب وطلحة والأعمش {ستعلمون} بالتاء على معنى قل لهم يا صالح.
وقوله: {غداً} تقريب يريد به الزمان المستقبل، لا يوماً بعينه، ونحو المثل: مع اليوم غد.
وقرأ جمهور الناس: {الأشِر} بكسر السين كحذِر بكسر الذال. وقرأ مجاهد فيما ذكر عنه الكسائي: {الأشُر} بضم الشين كحذُر بضم الذال، وهما بناءان من اسم فاعل. وقرأ أبو حيوة: {الأشَر} بفتح الشين، كأنه وصف بالمصدر. وقرأ أبو قلابة: {الأشَرّ} بفتح الشين وشد الراء، وهو الأفعل، ولا يستعمل بالألف واللام وهو كان الأصل لكنه رفض تخفيفاً وكثرة استعمال.

1 | 2